آراءمقالات

ولد اجاي.. ما بعد المائة يوم..

عبد الله أتفغ المختار – كاتب صحفي

في الدول المتقدمة، ولسنا منها طبعاً، يضع الرأي العام أي تشكيلة حكومية جديدة تحت المجهر، في المائة يوم التالية لتشكيلها..

لم تنجز أي حكومة، في الدول المتقدمة، كبير شيء في المائة يوم هذه، لكنها مدة كافية لديهم لمعرفة الاتجاهات المستقبلية، ولتقييم مدى جدية وصرامة ونجاعة العمل الحكومي..

وإذا حاولنا تقييم أداء الحكومة في المائة يوم المنصرمة، وفق ما هو متاح من مؤشرات، فلا شك أن الوزير الأول، أمام البرلمان، أحدث تغييراً جذرياً في تقديم السياسة العامة للحكومة، حتى كدنا نقول إنه يتبنى خطاب المعارضة، حين قدم تشخيصاً واضحاً لمشاكل الوطن والتحديات الكبرى التي يجب رفعها. 

وبدا أنه يمتلك رؤية واضحة للتعامل مع التحديات الكبرى، ثم إنه بسط برنامجاً تفصيليا بتواريخ محددة للورشات التي يعتزم إطلاقها.

الموعد الذي ضربه الوزير الأول مع الجمعية الوطنية والرأي العام هو مروره المقبل أمام الجمعية الوطنية في شهر يناير 2025 حيث سيقدم، ساعتها، حصيلة إنجازات الحكومة في الأشهر الأخيرة من 2024، والبرنامج التفصيلي لالتزاماتها سنة 2025.

ومع ذلك، وبالرغم من أنه ما زال يفصلنا شهران عن تاريخ تقديم أول حصيلة مرحلية، فإنه من الواضح أن العمل الحكومي يشهد حركية وديناميكية ملحوظة، وعلى جبهات مختلفة وبانسجام، لم نعهده من قبل، بين كل القطاعات، ومن أهم ما يمكن ملاحظته، هو العمل السريع الذي قامت به الحكومة ومنذ اليوم الأول لتعيينها من أجل التخفيف من أسعار بعض المواد الاستهلاكية الحيوية، خدمة للمواطنين الأقل دخلاً.

عدة مواد استهلاكية أساسية تم تخفيض أسعارها بشكل يهم الفقراء، أقول الفقراء: الأرز، القمح، السكر، الزيت (النوعية المستهلكة بشكل أكبر من المواطنين الأقل دخلا)، اللبن المركز (OMILA النوعية الأغلى)، السمك بكل أنواعه، الغاز المنزلي والأسمنت. تبلغ قيمة التخفيض على هذه المواد ما يزيد على 50 مليارا للسنة.

تميز هذا الجهد بإشراك مختلف الفاعلين وبتعبئة كل المصالح العمومية لتطبيقه بصرامة واستمرارية وعلى عموم التراب الوطني، ولمن لا بد له أن يكذبني عليه أن يتساءل عن الحراك الدائم الذي يقوم به بعض تجار التجزئة، فهو إن لم يكن خير دليل على فرض تنفيذ هذه الأسعار بشكل صارم، فعلى ماذا يدل إذا؟

وفي اعتقادي أن ما كان من عدم تطبيق للائحة الأسعار فيعود في المقام الأول إلى تقصيرنا نحن المواطنين في عدم الإبلاغ عن حالات التجاوز التي تتم أمام أعين بعضنا (إطيرها گاع عشرين أوقية ماهي لاهي اتفاظحني أنا ومولَ لبّيتيگ). 

ومن باب (طشه من لخبار) فإن الحكومة عاكفة، مع الشركاء المعنيين، علي تحسين ظروف البنية التحتية لتسويق اللحوم الحمراء وتخفيض أسعار لحوم الدجاج وتوفير الخضروات المنتجة محليا لفترات أطول في السنة، وبأسعار في متناول الجميع.

وكطشة أخرى من الأخبار، فإن الحكومة أكملت خطة عمل سيبدأ تنفيذها في الأسابيع المقبلة لضمان جودة الأدوية ومحاربة تزويرها وتهريبها (لاهي إگوم فيهم لعياط تماماً مثل أصحاب السيارات المخالفة لقانون المرور). 

ستسمح الخطة بضبط مصدر الأدوية ونقلها وتخزينها في ظروف صحية وجعل رقم تسلسلي بشكل إلكتروني على كل علبة دواء مستوفية الشروط مع السعر الذي يجب أن تباع به، وتحريم بيع أي دواء لا يحمل رقما تسلسليا.

قطعت الحكومة شوطاً مهماً في دعم تمكين المواطن من مراقبة العمل الحكومي، ومن تقديم شكاياته وتظلماته عبر إطلاق منصة (عين).

وقد استقبلت المنصة في أقل من أسبوعين أكثر من ألف شكاية، وتم التجاوب معها بالسرعة المطلوبة، حسب علمي، مع أنني أعتقد شخصياً أنها مجرد ترف تقني، إذ ليس لأغلب المواطنين في المناطق الهشة خبرة بهذه التطبيقات، وبالتالي فخدماتها ستقتصر على المدنيين المثقفين، وعموماً يعرف ولد اجاي أن (العطشانه ماهي ذيك اللي اتصيح).

سيتم في الأسابيع المقبلة إطلاق منصتي مجتمع المدرسة ومجتمع الصحة على مستوي كل مقاطعة، وليست لدي فكرة عن المنصتين حتى الساعة، لكن ربما تكونان أكثر وجاهة من منصة عين التي تحتاج وعي قطاع عريض من الشعب بأهميتها، خاصة أننا لم نجد من المواطنين من تظلم لديها، ولم تتفاعل معه الجهات المعنية بالتظلم.. 

البعض مفتون جداً، ولستُ منهم، بما تحقق من تقدم في رقمنة الإدارة باعتباره وسيلة لتحسين خدماتها وتسريعها، مع أن بعض المواطنين يتردد على الإدارات مباشرة، وغالباً يعود منها بخفي خنين..

وكطشة أخرى من الأخبار، ترقبوا وقبل نهاية السنة، إطلاق منصة جديدة تشمل خدمات حيوية يمكن النفاذ إليها من خلال تطبيقات معلوماتية سهلة الاستخدام ومؤمنة، حسب ما لديّ من معلومات..

من النقاط المهمة الأخرى التي تحسب للحكومة، في هذا الظرف الوجيز، إكمالها لإعداد البرنامج التجريبي (نواكشوط مدينة عصرية)، وسيتم إطلاق هذا البرنامج ويبدأ العمل فيه في الأسابيع القادمة.  

يشمل هذا البرنامج الكبير والطموح على حزمة مشاريع تلبي الأولويات على مستوى كل أحياء مدينة نواكشوط في مجالات التعليم والصحة والماء والصرف الصحي والكهرباء وفك العزلة وأماكن الترفيه.

وقد تم إعداد هذا البرنامج بمشاركة السلطات الإدارية والعمد على مستوى كل مقاطعات نواكشوط.  

وستعمّم هذه التجربة بتعليمات من الرئيس ولد الغزواني، على مستوي كل الولايات بتمكين المنتخبين والسلطات الإدارية من تحديد أولويات ولاياتهم وبلدياتهم في القطاعات الحيوية.  

وانطلاقا من تلك الأولويات ستتحدد البرامج الحكومية السنوية، وهذا يعني من جهة إعطاء أهمية كبيرة للتنمية المحلية، وإعطاء قيمة جديدة للمنتخبين المحليين.

لم تبذل حكومة ولد اجاي، في الافتتاح المدرسي هذا العام، غير الجهد الذي بذلته حكومات سلفه محمد بلال مسعود، باستثناء تلبية حاجات بعض الولايات والمناطق من المعلمين والتي كانت تعرف عجزا بنيويا.

تم ذلك من خلال إجراء تحويلات للمدرسين على أسس، قال الوزير ماء العينين ولد أييه، الناطق باسم الحكومة وكالة، إنها كانت عادلة وشفافة ولم يُقبل أي تدخل أو استثناء فيها.

وفعلاً، تم لأول مرة تحويل بعض المدرسين لسد العجز في نواكشوط دون محسوبية ودون الوساطات التي تعودنا عليها.

لا يُحسب لحكومة ولد اجاي إطلاقها لبرنامج شامل لإصلاح شركتي الكهرباء والماء، ما لم ينعكس إيجاباً على الحياة اليومية للمواطن وفي القريب العاجل، إذ جهود كل الحكومات، منذ الاستقلال، متعثرة في حل مشكلتي الماء والكهرباء.

ننتظر مزيدا من الصرامة في تعهد ولد اجاي بمتابعة تنفيذ المشاريع الكبرى ومعاقبة الشركات والموظفين الذين سيتسببون مستقبلا في تعطيل المشاريع العمومية.

هذه المتابعة بدأت تعطي نتائجها حيث لاحظنا عودة العمل في مشاريع كانت متوقفة منذ أشهر، كما زادت سرعة التنفيذ في مشاريع أخرى.

منذ الأيام الأولي لبداية عملها أرسلت الحكومة رسائل قوية مفادها أن لا مساومة ولا مهادنة مع الفساد وسوء التسيير.  

تم الرد بسرعة على حالات سوء تسيير توفرت بشأنها بعض المعلومات (صندوق الضمان الاجتماعي، شركة المياه، يحضراني كمثالين) ويتواصل الآن تفتيش حوالي عشر مؤسسات عمومية.. 

ختمتُ هذا التقييم بمحاربة الفساد الذي أكد ولد اجاي أمام البرلمان أنه تحد حقيقي، وأن محاربته مسؤولية الجميع، ذلك لأني شخصياً لا أتفق مع معاليه في هذه النقطة، إذ محاربة الفساد مسؤولية حكومة بحتة، فهي التي تفتح أبواب الصفقات، وتفتح أبواب الرشاد، وإن من فتح الأبواب يغلقها..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى