كورونا : صدق الرئيس غزواني.. والموقف يتعقد..

كورونا : صدق الرئيس غزواني.. والموقف يتعقد…

تم التأكد من سبع حالات جديدة من كوفيد  19 في موريتانيا؛ وحسب مصادر مقربة من المصالح الصحية، فإن أكثرية المصابين من أسرة صاحب الحالة التاسعة المرحوم بديدي و لد باباه الذي وافاه الأجل أمس بسبب نفس المرض؛ وبهذا تكون الحصيلة لفيروس كورونا  المستجد في البلد على النحو التالي:

عدد الإصابات الإجمالي : 16

عدد الوفيات: 2

الذين تماثلوا للشفاء: 7

تحت العلاج: 7

صدق رئيس الجمهورية…

حتى قبل يومين كانت موريتانيا هي البلد الوحيد- حسب علمنا- الذي ليست به حالة من كوفيد 19 منذ أن تم الإعلان منذ شهر تقريبا عن شفاء آخر حالة مسجلة. واعتبر جل الناس حينها أننا انتصرنا على الجائحة. وساهم في الانتشار الواسع لهذا الشعور بالنصر التام شائعات وأقاويل كثيرة بعضها صدر من مسؤولين سامين يحمل بين طياته رسائل مطمئنة تدعو إلى الرضا التام بالنفس والإعتزاز بما تحقق دون شرط ولا قيد. إلا أن رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، لم يسر أبدا في هذا النهج المخالف للحقيقة والمغالط للذات.. بل على العكس: ظل دائما يرى الأمر من زاوية  مغايرة يطبعها الحذر والخوف من تطورات مفاجئة في انتشار الوباء داخل البلاد. وقد سبق لنا أن أوردنا هذا الجانب الحذر والموضوعي من رؤيته البعيدة المدى ، قائلين: 

“خلافا لما ذهب إليه مسؤولون سامون في الدولة، لم يعلن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني خلو موريتانيا تماما من كوفيد 19؛ بل كان مسؤولا وصادقا، لأنه كان حذرا في قوله حينما أعلن انه يحمد الله ” على تعافي آخر المصابين إصابة مؤكدة بفيروس كورونا في بلادنا“.

ولا يخفى على من يقرؤون بين السطور أن عبارة تعافي من “إصابة مؤكدة” لا تعني بالضرورة التحقيق الفعلي لسلامة جميع القاطنين في البلد من الوباء.. لأنها توحي بإمكانية وجود إصابات غير مؤكدة؛ أي بأنه ينبغي الحذر من وجود حاملين للفيروس داخل الوطن لم يتم الكشف عنهم”.

(انظر:”الرئيس غزواني لم يؤكد خلو البلد تماما من كورونا فيروس. والسبب...” )

وفعلا صدق توقعه: حالات الإصابة الثمانية الأخيرة لا يعرف لها مصدر عدوى خارجي. وقد تأخر الكشف عن الأولى منها بدرجة مقلقة بعد أن فات الأوان على صعيدين : أولا، فات الأوان لأن المصاب لم يتلق العلاج الطبي إلا  في وقت متأخر جدا، كما أسلفنا. وفات الأوان أيضا لأنه بقي طيلة المرض بين ذويه وعلى صلة مع غيرهم من الناس مما يعنى أن احتمال تسرب العدوى منه إلى آخرين وارد جدا. وفعلا تأكد هذا الأمر بسرعة فور فحص اعضاء أسرته، إذ تبينت إصابة عدة أفراد منهم بالفيروس.

 الوضع تحت السيطرة..  لكنه يتعقد.

رغم الحالات السبع التي تم تشخيصها اليوم وحالة الوفاة الأخيرة، فإن الحصيلة الإجمالية في موريتانيا تبقى من أحسن الأوضاع  في دول القارة ودول العالم.  والوضع تحت السيطرة، كما قال الرئيس غزواني في تغريدة تم تداولها هذا المساء على نطاق واسع. وقد اختتمها داعيا الجميع “إلى التعاون مع السلطات والالتزام بالإجراءات الوقائية“، مؤكدا مرة اخرى ضرورة الحذر والالتزام باليقظة، بعيدا عن الرضا عن النفس وعن تجاهل الخطر الوبائي المحدق بنا من الداخل ومن الخارج.

ويعزز تخوفه كون حصيلة  ال 48 ساعة الأخيرة بلغت 50% من مجموع الحالات المسجلة في البلد.  وقد بلغ الحديث عن هذا التسارع في انتشار العدوى حدا غير مسبوق في بلادنا. وأثار تعاليق وملاحظات كثيرة  متباينة القيمة  يبدو لنا من أهمها بيانا ما يتناول مسائل تتعلق بالتشخيص والتعامل مع المرضى وبالإجراءات الاحترازية وما ينبثق عن تخفيفها من حيطة.  

 التشخيص.. والعلاقة بين مقدم الخدمة الصحية ومتلقيها.. 

الفقيدان لم يتلقيا العلاج الملائم نظرا لكون المرض لم يتم كشفه إلا بعد ما فات الأوان أو كاد أن يفوت: الضحية الأولى تم تشخيصها إصابتها بعد ما فارقت الحياة رغم أنها كانت في حجر صحي  منذ أسبوعين على الأقل. والضحية الثانية بساعة أو ساعتين قبل وفاتها رغم أنها جاءت إلى المصالح الصحية منذ أيام وكانت تشكو من أعراض مرضية داخلية خطيرة. ويبدو أن تعامل بعض الأطباء مع الموقف لم يكن مرض لأهل المريض حسب ما قالت ابنته، وحسب ما يُفهم من تسجيل صوتي (فوكال) صادر عن وزير الصحة وموجه من طرفه إلى ذوي الفقيد رحمه الله، يعزيهم فيه ، ويواسيهم، ويعتذر لهم عن ما وقع من تقصير من طرف المصالح الطبية.

ويستدعي استخلاص الدروس من هاتين الحالتين ضرورة إعادة النظر في إستراتيجية الفحوص بطريقة تمكن من القيام  بعمليات التشخيص على أوسع نطاق ممكن وفي أسرع وقت:  توفير وسائل التشخيص المادية والبشرية.. وحبذا هنا لو تم تجهيز جميع المستشفيات والمراكز الصحية التابعة للدولة بما يلزم. كما ينبغي أن تقوم المنشآت الصحية الخصوصية بدورها في هذا المجال. وكما كان في كثير من الحالات فحص المالاريا شبه تلقائي في السنوات الماضية لأي مريض يشكو اعراض حمى او آلاما في الرأس، فقد يكون أيضا من الحكمة بمكان في الظروف الراهنة ان يجعل فحص كوفيد 19 في الدرجة الاولى من اهتمامات الطبيب عند تلقيه المريض. ونشير إلى أن وزارة الصحة لا تشكو نقصا في وسائل الفحص. فمطالبها، حسب ما يتكرر باستمرار في تقاريرها اليومية حول كورونا، تشمل فقط الحاجة إلى دعم في مجال “الوقاية الفردية” وفي وسائل “دعم قدرات التكفل : أَسرَّة الإنعاش”.

وعلى صعيد آخر، يجب التعامل مع المريض خلال معاينته من طرف الطبيب ومعاونيه بشكل يعزز علاقات الثقة والتعاون المتبادلين بين المريض وذويه من جهة والطاقم الطبي من جهة أخرى. وطبعا السلوك القويم مطلوب من الطرفين.. لكن ثقله الأكبر  يقع على عاتق الفريق الطبي فرديا وجماعيا. أو هكذا نتصور العلاقة نحن المواطنون: نرجو من مقدم الخدمة الطبية أن يرضينا من خلال تعامله معنا و سنكون مدينين له طبعا. وفعلا تشير أدبيات عامة تتعلق بالتهذيب الصحي إلى أن التكفل بالمريض ومرافقيه يحسب اليوم من الوظاف الإجتماعية للطب الحديث: يقوم بها الطبيب ومقدمو الرعاية الصحية (personnels soignants).  

 إجراءات مواكبة لعمليات التخفيف من الاجرءات الاحترازية   

لحد الآن لا يتوفر دواء ولا لقاح ضد كوفيد 19. فالحل المؤكد الوحيد يبقى محصورا في الوقاية السلوكية. وقد سارعت الحكومة في اتخاذ إجراءات فعالة في هذا السبيل يشكل التحسيس والتثقيف أحد محاورها الرئيسية بينما تقوم ركيزتها الثانية على قرارات ذات طابع اجباري: إغلاق الحدود الخارجية للبلد وإغلاق الحدود بين الولايات، إغلاق الأسواق، منع صلاة الجمعة وصلاة التراويح في المساجد، فرض حظر التجول. وقد تجاوب معها الناس بشكل إيجابي، خاصة في بدايتها بسبب الصرامة التي تحلت بها آنذاك قوى الأمن المكلفة بالسهر على تنفيذ القرارات. لكن التخفيف في العملية الذي أقدمت عليه الحكومة مؤخرا والقاضي بفتح الأسواق ورفع أي تضييق عن الصلاة في المساجد، وبتأخير بداية توقيت حظر التجول.. رافقه نوع من التراخي الشديد في السلوك الإحترازي لدى المواطنين لم يسلم منه مسؤولون سامون في الدولة.

صحيح أن الدواعي الاقتصادية والاجتماعية تتطلب التخفيف من العمليات الاحترازية تلبية  لحاجة البلد والمواطنين وطبقا للتوجه العام الذي تسير عليه معظم الدول منذ الآونة الأخيرة. وبلادنا لا تشذ عن القاعدة، لكن ينبغي عليها مثل الدول الاخرى اتخاذ إجراءات مواكِبة، تضمن احترام الإجراءات الاحترازية: التدرج في فك القرارات الاحترازية،  توفير وفرض الأقنعة الواقية، فرض وسائل النظافة والتطهير في المحلات والأسواق التي يرتادها كثير من الناس ، السهر على التباعد الاجتماعي، تكليف قوات الأمن بالسهر على هذه الإجراءات. كما ينبغي تنشيط وتكثيف حملات التحسييس.. ويجب أن لا نكتفي بالحملات التلفزيونية والإذاعية.. بل يجب أن تُنزل الدولة اناسا إلى الميدان على الميدان يقومون بالتوعية والتثقيف: خاصة في الأسواق وفي محلات وقوف وتجمع سيارات الأجرة وفي جميع محلات تواجد وتجمع الناس. وقد يكون من الوارد مثلا استخدام ابواق مكبرة للصوت يستخدومنها في تلك الأماكن وكذلك استخدام اشرطة مسجلة على غرار الإعلانات التجارية التي تروج البضائع ويتواصل إعادة بثها في بعض الأسواق والمحلات التجارية.. بل يجب أن يطلب من اصحاب تلك الأشرطة إضافة رسائل تحسيس ضد كورونا إلى اشرطتهم..    

البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.