محمد فال ولد بلال ….اللجنة لا تمتلك عصا سحرية لإصلاح المجتمع وما هو عليه من عادات وتقاليد وممارسات

كان السيد محمد فال ولد بلال عضوا بارزا في منتدى المعارضة الذي كان رئيس لجنة تحضير مؤتمره التأسيسي ثم أمينه التنفيذي وفي بعض الأحايين متحدثا باسمه. ما الذي طرأ إذن؟ الذي طرأ هو أن ولد بلال طرح فرضية عدم ترشح الرئيس عزيز لمأمورية ثالثة بناء على تحليل للسياق العام في الداخل وعلى المستويين الإقليمي والدولي. وترسخ اقتناعه بتلك الفرضية منذ أن أعلن عنها الرئيس للمرة الأولى في إسبانيا ومرة ثانية في فرنسا. تأكد ولد بلال من الأمر وآمن به واقترح على قطب الشخصيات المستقلة داخل المنتدى نهجا جديدا يقضي بالترحيب بإعلان الرئيس نيته عدم الترشح ومساعدته بكل ما يمكّن على الخروج.. تبنى ولد بلال هذا الموقف ودافع عنه داخل المنتدى وخارجه في وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي وله في ذلك مقالات محفوظة ومعلومة. قال لأصدقائه في المعارضة “كونوا إيجابيين مع نص الدستور وألزموا الرئيس بتنفيذ تعهده و أحرجوه بالموافقة على إعلانه وساعدوه على المغادرة بأمن وهدوء”. وكرر مرارا أن أفضل أنجاز يمكن لهذا الجيل من الديمقراطيين تحقيقه هو تثبيت دعائم التناوب. وما كان من نقص سوف يكتمل في الاستحقاقات القادمة 2024-29..

لم يُسمع صوت ولد بلال داخل المنتدى، بل قوبل بكثير من الغمز واللمز، ولكنه من الطراز الذي لا يهتم كثيرا بالقيل والقال ولا يعرف التراجع والتردد عندما يقتنع بموقف ويرتاح له ضميره. فودّع الأحبة والأصدقاء في قطب الشخصيات المستقلة في المنتدى وأخذ مسافة من النشاط السياسي كله.. حضر الحوار حضورا رمزيا فقط عند الافتتاح  والاختتام تجسيدا لرؤيته هذه. ثم انسحب من الساحة وترك المعترك.. إلى أن تم اقتراحه لرئاسة اللجنة. أعتقد أن جهة الأغلبية عمدت إلى إسناد هذه المهمة لولد بلال نظرا لموقفه الوسطي برجاء أن تجد فيه الأطراف ما يكفي لحلحلة موضوع الانتخابات البلدية والجهوية والنيابية بعد أن تعثر مسارها وكادت أن تضيع.. 

وفي الختام، ربما كان من الأفضل طرح هذا السؤال على عزيز نفسه..

2- لقد اعتمد محمد فال على سلاح وحيد، ألا وهو كسب ثقة الزملاء في اللجنة والسير على نهج الوسطية والاعتدال والحياد والوقوف على نفس المسافة من كل الأطراف والتشبث بالقانون سبيلا إلى إنجاح مهمته. وبادر أول ما بادر إليه إلى زيارة كل الأطراف المتنافسة والأجتماع بها في مقراتها معربا عن استعداده للعمل مع الجميع، إلخ.. وأقام غرفة عمل مفتوحة لإشراك ممثلي اللوائح وضمان شفافية العمل. هذا بالإضافة إلى معرفته العميقة بالساحة السياسية وتجربته الطويلة وعلاقاته الواسعة بالقادة السياسيين وقادة الرأي..

3- من غير الإنصاف اعتبار اللجنة المستقلة هي المسؤولة وحدها عن كل المخالفات والتجاوزات التي تشوب المسار الانتخابي. في واقع الأمر أن نجاح المسار الانتخابي مسؤولية جماعية تقع على أطراف متعددة تشارك كلها في العملية الانتخابية، وإن بدرجات متفاوتة. وكلما حصل تقصير أو خطأ أو خلل على مستوى أي طرف من الأطراف تداعى له المسار كله وتأثر سلبا.. والأطراف المعنية هي أساسا: اللجنة المستقلة والمجلس الدستوري والقضاء والإدارة والصحافة وقوى الأمن والمجتمع المدني والأحزاب المتنافسة…ينبغي الانتباه جيدا إلى أن مسؤولية التصدي للتجاوزات والمخالفات تقع على الجميع وموزعة بين الجميع.. ماذا باستطاعة اللجنة فعله دون قيام الأطراف الأخرى بمهامها ودورها؟ ماذا لو غابت اللوائح المتنافسة عن الحضور لمراقبة سير العمليات داخل مكاتب التصويت؟ ماذا لو تأخر قاضي الانتخابات في إصدار حكمه في النزاعات؟ ماذا لو انحرف الاعلام وانجرف وراء الشائعات والشحن والغلو؟ ماذا لو غاب المجتمع المدني و غاب دوره التنويري؟ إلخ…

إن اللجنة لا تمتلك عصا سحرية لإصلاح المجتمع وما هو عليه من عادات وتقاليد وممارسات وأعراف وعقليات .. ولا تمتلك سوى العمل بحزم و عزم وحياد ومسؤولية لتطبيق القانون وتنظيم انتخابات بأقصى ما يمكن من النزاهة والشفافية ضمن الممكن والمتاح.. و يبقى الباب مفتوحا أمام الأطراف المتنافسة للتوجه نحو القضاء للبت في الشكاوى المرفوعة ضدها.

4- اللجنة المستقلة الموريتانية كغيرها من اللجان الانتخابية في الدول الإفريقية.. لها مصدران للتمويل: مصدر داخلي من ميزانية الدولة، ومصدر خارجي من هيئات وتنظيمات صديقة. وهذا هو حال اللجنة الموريتانية منذ تأسيسها عام 2006 إلى حد الآن. وكانت دوما تعمل بتمويل من الحكومة حتى في مراحلها “الذهبية” (2006 و 2009)، حيث كان الطيف السياسي ممثلا فيها بكل مكوناته.. ولكن الانتقادات والهجومات ضدها ظلت على حالها : العمالة، الانحياز، الباء الطائرة، إلخ..

إن اللجنة الحالية قامت بتنظيم أصعب وأوسع انتخابات تعددية شهدتها البلاد منذ نشأتها إلى الآن.. واستطاعت الوقوف في وجه سلطان الدولة و فرض إرادتها في أكثر من مناسبة بدءا بقبول الترشيحات وانتهاء باحترام إرادة الناخبين في أكثر من مكتب.. وللتذكير، فإن القضاء أمر بإعادة فتح الصناديق وفرز النتائج في مقاطعات عديدة ولم تسفر الاعادة عن تغيير الموازين المعلنة من قِبل اللجنة.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.